كيف نوظف اليقظة العقلية في مجال ريادة الأعمال

بقلم: لينة بلال أبو حسان

لو نظرنا بعين ناقدة لا منتقدة، نرى بوضوح بؤرة التوتر والضغوطات التي يحيا بها الأشخاص عامةً، والمنتسبون للشركات والمشاريع التجارية خاصةً، فالسرعة المطلوبة لملاحقة التطور تتطلب سرعة هائلة في طبيعة العيش. مشتتات وملهيات حدِّث ولا حرج، مواقع التواصل الإجتماعي تأسرنا، تنافس كبير، ساعات عمل كثيرة، حتى وصلت أمراض القلب الناتجة عن التوتر لأن تكون السبب الأول للموت في العالم. وهذا جعلنا ندرك خطورة الوضع وأهمية إصلاحه، وكم نحن بحاجة إلى إستراتيجية أو تقنية تساعدنا في التعامل مع هذا الضغط الكبير الذي يعمل على تجاهل المشاعر وجلب الإحباط؛ ألا وهي اليقظة العقلية.

مفهوم اليقظة العقلية – MINDFULNESS
دخل مفهوم اليقظة العقلية في مجال علم النفس الإيجابي في بداية السبعينات. وتُعرّف اليقظة العقلية بأنها المراقبة المستمرة للمثيرات التي تنشأ داخلياً وخارجياً دون إصدار أحكام (BAER, 2006).
أي حضور الفرد في موقعه باللحظة الحالية الحاضرة، وهي نوع من أنواع التأمل المتعلق بالتأمل الذاتي (التأمل الداخلي للمشاعر والأفكار) والتأمل الخارجي وهو تأمل الأحداث وردود الفعل. بمعنى مراقبة السلوكات الشخصية وبين الشخصية دون أن يسمح الفرد لهذه المشاعر أو الأفكار بالتأثير على سيرورة العمل، بل يتقبلها ويتعامل معها بأنها عابرة.

اليقظة العقلية هي نوع من الانفصال عن ما يقلقنا من خلال التركيز على أنفسنا واللحظة الحاضرة وذلك يحدث من خلال عدة أمور:
أولًا: تركيز مراقبتنا لعملية تنفسنا (التركيز على ارتفاع وانخفاض الحجاب الحاجز) مما يجلبنا للحظة الحالية.
ثانيًا: الانتباه والوعي والإدراك لأفكارنا ومشاعرنا أثناء وجودنا مع الآخرين أو إن كنا وحدنا، وتقبلها والسماح لها بالعبور دون أن تؤثر على تركيزنا أو سلوكنا. ومراقبة ما يحدث حولنا دون رد فعل سريع أو تلقائي بل أخد خطوة للوراء ومُلاحظة ما يحدث ومن ثمَّ التحكم برد الفعل.

من إيجابيات ممارسة اليقظة العقلية من حيث التأثير على الفرد وبيئة العمل:

  • اليقظة العقلية تقلل من التوتر الذي ينتج في بيئة العمل.
  • اليقظة العقلية تقلل من الاحتراق النفسي الناتج عن عدم تحقيق الأهداف المرجوة في الوقت المخطط والمخصص لذلك.
  • اليقظة العقلية تقلل من من الرغبة من الانتقال من مكان العمل، كما وتقلل من الرغبة في تغيير مكان العمل الناتجة عن التقبل غير المشروط.
  • اليقظة العقلية ترفع من مستوى الوعي لما يحدث حولنا، وذلك من خلال توجيه الانتباه للحواس مما يزيد مستوى سعادتنا، ويمكن تفسير ذلك بأنه من خلال اليقظة العقلية يزيد فهم وتقدير معنى الأحدَاث التي نمر بها مما يعطي معنًى للحياة. مستوى مرتفع من اليقظة العقلية يعني استمتاع أكثر بالحياة وذلك من خلال فهم وتقدير معنى الأمور.
  • اليقظة العقلية تزيد من قدرة الفرد على ضبط ردود أفعاله وضبط مشاعره.
  • من نتائج اليقظة العقلية وتأثيرها على البيئة هي: الزيادة في الإنتاجية، فعندما نحصل على نتائج إيجابية بشكل مستمر يرفع هذا من مستوى الدافعية ويعمل كحلقة مفرغة مما يزيد الانتاجية.

اليقطة العقلية تزيد إلانتاجية، وإنتاجية أكثر تعني أخطاء أقل ومصاريف تصحيحيّة أقل وبالتالي ربحاً أكثر ودافعية أقوى.

  • اليقظة العقلية تساعد في تطوير عملية الإشراق أي تزيد عملية الإبداع والإلهام. ويمكن تفسير ذلك من خلال إعطاء المساحة الكافية للتفكير وعدم إجبار الفرد على إيجاد حل فوري.
  • اليقظة العقلية تساعد في عملية الاسترخاء.
  • اليقظة العقلية تزيد القدرة على حل المشكلات بسرعة ونجاعة أكبر، ويمكن تفسير ذلك من خلال تركيز الفرد على المشكلة الحالية لا على تأثيرها المستقبلي أو الغرق باللوم (لوم الذات والآخرين) على الفعل السابق.

عملية اليقظة العقلية هي عملية تعويد الفرد على توجيه تركيزه نحو الداخل نحو (هنا والآن) من خلال تحويل التركيز من خارجي (من البيئية الخارجية) ثمَّ نحو الداخل (اللحظة الحاضرة) المتمثلة بِ (أين أنا موجود؟ وماذا علي أن أفعل الآن؟) ومن ثمَّ العودة للبيئة الخارجية من خلال رد الفعل المضبوط. بكلمات أخرى أن نحول الانتباه ورد الفعل من تلقائي إلى انتقائي. من المهم جداً التذكر بشكل دائم أنّنا لا نستطيع تغيير الأحدَاث وإنما نستطيع تغيير طريقة تعاملنا مع الأحداث. أي في حال حدوث موقف سلبي أو ضغوط في العمل أو عند تراكم المهام علينا، فنحن لا نستطيع تغيير الواقع الذي يسبب التوتر، وإنما يمكننا التحكم في طريقة تعاملنا مع الواقع والتحكم برد فعلنا.

من الطرق والاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لزيادة اليقظة العقلية في الحياة اليومية:

  • التركيز على التنفس: أخد نفس عميق لمدة (5-7) ثوان، كتم النفس (3) ثوان، وإخراج الزفير حتى النهاية وتكرار ذلك (3-4) مرات يوميًا.
  • قائمة المهام “To do list”: ما هي المهام التي قمت بها اليوم؟ ماذا أنجزت؟ ويتم استخدامها عندما يقل التقدير الذاتي، فعندها يمكن التوجه للقائمة وإعادة النظر.
  • مهمة واحدة بوقت واحد No multitasking: قال الإمام الغزالي : “العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه”.
  • استخدام Mindful Journal للتعبير عن المشاعر: يساعد في وعي الفرد والتنبه لشعوره والاعتراف به، عندها يمكن التعامل معه بطريقة أكثر واقعية من خلال التعامل مع الأسباب التي أدت لهذا الشعور.
  • ممارسة الشكر والامتنان لكل ما يحدث معنا وحولنا.

يفضل استخدام تقنية اليقظة العقلية قبل اتخاد القرارات المصيرية، وقبل القيام بعمليات العصف الدماغي، وقبل الاجتماعات كمجموعات نقاشية لتعزيز التقبل والابتكار والإنتاجية.

من الأمور التي تجعلنا نعيش بطريقة التيار التلقائي وبالتالي تقلل من مستوى اليقظة العقلية هي:

  • المقارنات أي مقارنة الفرد لنفسه مع الآخرين.
  • توجيه الكلام السلبي للذات “أشعر أني مـتأخر”. من المهم أن نذكّر أنفسنا و أن نكرر الحديث الإيجابي والمحفز لحث أنفسنا على الإقدام والاستمرار كقول:”أنا شخص متفرد ولدي أفكار تخصني”، وأن نعدد إنجازاتنا ومميّزاتنا عندما نشعر بالإحباط “أي أني واعٍ لنفسي ومميزاتي وقدراتي ويمكنني الاستمرار”.
  • القيام بجميع المهام المطلوبة بشكل فردي دون تكليف أي شخص مما ينجم عنه احتراق نفسي “burned-out” وبنفس الوقت هذا يؤدي إلى إنخفاض الإنتاجية وبطء في التقدم. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “لجسدك عليك حق”.
    فالإصغاء لمتطلبات الجسم وإدراك الحدود الجسدية من العلامات التي تدل على مستوى مرتفع من اليقظة العقلية.

ليس المهم إلى أين ستصل المهم كم بعد المسافة التي وصلتها منذ أن بدأت.

اليقظة العقلية في بيئة العمل:

كموظفة أو رائدة أعمال، اليقظة العقلية تقلل من الحكم على الأحداث أو الهفوات لأن الفرد يكون حاضر الذهن بردود أفعاله والنتيجة هي أقل تشتت ذهني، وأقل تفكير برد الفعل من قِبَل الآخرين، وأقل لوم للذات وجلدها، بالتالي تصبح بيئة العمل أكثر تعاطفًا وتسامحًا وأكثر تفهُمًا. وهذا يحقق مكوِّن رئيسي من مكونات اليقظة العقلية أي أن تكون لطيفًا مع ذاتك والآخرين بالتطلع من وجة نظر الشخص الآخر (To put yourself in someone’s shoes). وعندما يكون الفرد لطيفًا في التعامل مع أفكاره، ومع سلوك الآخرين هذا يؤدي لأن تكون المجموعة أكثر تماسكًا.

أنظري داخلك، يسطع ما حولك #مشروع إشراق لمجتمع راق

الدائرة الذهبية من كتاب “إبدأ بلماذا”– سايمون سينك، عندما نبدأ بأي عمل علينا أن نبدأ (بلماذا نفعل ما نفعل؟) أي زيادة الوعي والإدراك بما نفعل ولماذا نفعله. وهذا ينعكس على مدى أهمية أن نبدأ من داخلنا، ومن ثمَّ نتفاعل مع العالم الخارجي. ابدأ بلماذا تقوم بالشيء، وما الهدف.

مستوى اليقظة العقلية يزيد بالممارسة، فكلما نمرن الفرد على القيام بالعملية العقلية “التفكير”، ندربه على القيام بالعملية الذهنية الإدراك والتفكير في التفكير ، مما يساعدنا على زيادة درجة الوعي والمرونة في التعامل مع الأحدَاث. معظم الأشخاص يتطلعون لعيش مستقبل أفضل أو ينتظرون الغد ليكونوا أسعد. لم لا نقلل من العمل المجهد التلقائي، ونعيش الآن ونسعد باللحظة الحاضرة، وننتبه لكل ما يحدث حولنا ونتقبله عن طريق استخدام اليقظة العقلية؟

اقرئي أيضاً: رائدة كاكتوس لينة أبو حسان، كاتبة ومؤسسة مشروع في مجال اليقظة العقلية


لقراءة المزيد عن رائدات وخريجات كاكتوس، اضغطي هنا

لينة ابو حسان، خريجة كورس كاكتوس لريادة الأعمال ومؤسسة مشروع اليقظة العقلية

شركة كاكتوس لإنشاء وتطوير مشاريع تجارية نسائية، هي شركة تعمل على تعليم النساء العربيات كيفية إنشاء وتطوير مشاريع تجارية ناجحة وقابلة للتوسع. – اتبعي الموقع” وانضمي الى صفحتنا على الفيسبوك، اليوتيوب، الانستجرام،اللينكدان، والتويتر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s